هناك عدة ألبان مخمرة طرية تستخرج من اللبن الخام الطازج عن طريق التخمر اللبني بواسطة (البادئات)، وهي أنواع لكائنات حية دقيقة تنتمي إلى مجموعة البكتيريا اللبنية، والتي تشمل كل من اللبن الحامض والقشدة وعدة ألبان أخرى.
ولقد سبق أن تكلمنا عن اللبن وما يمثله بالنسبة للكائنات الحية الدقيقة، كما تكلمنا كذلك عن الأنواع التي بإمكانها أن توجد بيئيا في اللبن، ومنها النافع كالأنواع اللبنية، والمضر كالأنواع المؤذية بحياة الإنسان. وسنرى فيما بعد أن ضرورة التخلص من الأنواع المؤذية أصبحت من القواعد الإجبارية في صناعة المواد اللبنية، ولكي نعطي توضيحات وبيانات حول هذه الضرورة نتكلم عن بعض الأسباب التي أدت إلى تصنيع العديد من الألبان.
من المعروف أن اللبن الخام الطازج كلما بقي لوقت طويل تحت حرارة عادية يتخ
ث
ر، ويرجع هذا التخثر إلى نشاط البكتيريا اللبنية الموجودة فيه. وحيث تنمو هذه البكتيريا اللبنية في اللبن الذي يمثل الوسط الغذائي لها، تستعمل سكر الحليب لتحوله إلى الحمض اللبني ويعتبر هذا التحويل من خصائص هذه البكتيريات، وبإفراز الحمض اللبني تتحمض البيئة إذ أن تركيز أيون الهايدروجين ينخفض من 6,8 إلى 4,6 وهو المستوى الذي يخل بتوازن الوسط حيث تترسب البروتيدات على شكل خثارة متماسكة. ويسمى هذا التخثر بالذاتي لكون اللبن يتخثر دونما تدخل.
وبما أن التخمير العفوي أو الذاتي كان سائدا في البداية، وقبل أن تصنع أغلب الألبان المخمرة، فإن فاعلية ونشاط الميكروبات عرف قبل اكتشافها.
ظهرت المنتوجات اللبنية من
ذ
أمد بعيد، والسائد في الاعتقادات أن الإنسان تغدى على لبن الحيوانات مند أن عرفها وأخذ يستفيد منها، وبما أن وسائل الخزن والحفظ لم تكن معروفة كان لابد للبن الخام أن يتخثر ذاتيا، كلما بقي لوقت يسمح بذلك وتحت حرارة عادية، ومما لا شك فيه أن الألبان الأولى التي ظهرت إلى الوجود كانت نتيجة للتخثر الذاتي بسبب ميكروبات اللبن المتنوعة، والتي تعطي تخمرات مختلفة حسب خصائص ومميزات كل نوع منها.
وتنتشر أنواع عديدة من الألبان المخمرة في جميع أنحاء العالم، إذ قد تختلف باختلاف العادات والتقاليد الغذائية، وتتنوع بتنوع العوامل البيئية والتقنيات الصناعية لكل بلد كما أن الأنواع الكائنات الحية الدقيقة تلعب الدور الطلائعي في تمييز العديد من المنتوجات اللبنية، وقد سبق أن تكلمنا عن نوع التخمر الذي يحدث في اللبن وهو إما تخمير لبني محض، ويكون المنتوج حامضا وكحوليا ولم تعرف هذه الأنواع في البلدان العربية كما سنرى فيما بعد.
أ- اللبن الرائب
ينتشر هذا الصنف من اللبن المتخمر في شتى البلدان العربية على الخصوص، ويتم الحصول عليه بالطريقة التقليدية العتيدة التالية:
يفرغ الحليب الخام بعد الحلب في آنية من خزف أو معدن، ثم تسد هذه بقماش أو بأي شيء يمكن أن يغطيها وتترك هذه الآنية في ركن من الأفضل أن يكون دافئا حتى يتجبن تلقائيا، وقد تستغرق العملية من يومين إلى ثلاثة حسب الحرارة العادية التي يتم تحتها التخمر، بعد التجبن يصبح اللبن الرائب جاهزا للاستهلاك. فيتم تناوله بكله دون إزالة القشدة. ويظهر اللبن على شكل متماسك ولزج
ذو خثارة عديمة القوام، وحموضة عالية أو متوسطة، إذ يصل تركيز أيون الهايدروجين إلى حد أدناه 4.5.
بينت الأبحاث التي أجريت على هذا المنتوج، أن أنواع الجراثيم المسببة للخثارة أو التخمر هذا اللبن لا تختلف كثيرا باختلاف البلدان. وذلك حسب المعلومات التي تتوفر لدينا، إذ أن اللبن الرائب المصري يحتوي على الأنواع التالية
Leuconostoc dextranicum, Leuconostoc cremoris
H
Leuconostoc
citrovorum,
Lactococcus lactis بينما يقل أو تنعدم أنواع
.Lactobacillus
أما اللبن الرائب فيحتوي على الأنواع التالية
:
Lactococcus lactis وقليلا ما يوجد
L
a
ctobacill
us.
ب- لبن الخض
ينتشر هذا اللبن في كثير من الدول العربية، ولو أن الطريقة المتبعة في الحصول عليه تختلف بعض الشيء من المشرق إلى المغرب. وتتم صناعة هذا اللبن بإفراغ اللبن الرائب السالف الذكر في قربة من جلد العنز أو الغنم ثم ينفخ فيها كي يسهل الخض، ويربط فمها بخيط كي لا يخرج الهواء ويخض لمدة تتراوح بين 30 إلى 70 د تقريبا بعدما تعلق القربة على ثلاثة أعمدة. وتستمر عملية الخض إلى أن تظهر حبات الزبد عائمة على سطح اللبن، حيث يضاف قليل من الماء البارد لتسهل عملية جمع الزبد باليد، أو كما يعمد بعض الناس إلى ترشيح محتوى القربة على قماش لاستخراج جميع الزبدة الموجودة فيه.
يكون لبن الخض غالبا شديد الحموضية. ونشير إلى أن اللبن الرائب يستهلك جزء مباشرة
على حاله ثم يخض الباقي لاستخراج الزبد ولتحضير لبن الخض. ونجد كذلك وصفا دقيقا من طرف الباحثين المصرين حول لبن الخض في مصر، والذي يختلف باختلاف الفصول، إذ أنه يصبح لبن الزير في فصل الصيف ويفصل الشرش ليستهلك كجبن. أما الأنواع التي تم العثور عليها في اللبن التقليدي المغربي فهي Lactococcus diacetylactis, Leuconostoc lactis
وكذلك أنواع
Leu. lactis
و
Leuconostoc
cremoris
ينما تقل أنواع الجنس
Lactobacillus
والتي لا تزال الأبحاث قائمة في شأنها وتنقسم الأنواع اللبنية التي وجدت في لبن الخض المصري إلى مجموعة شتائية
L. lactis Leu. citovorum dextranicum
Leu.
و
أخرى وصيفية وتضم كل من
L. casei, L. brevis L. plantarum.
ث- الكليلة
يسخن اللبن الرائب أو لبن الخض القديم على النار، ليسهل فصل الشرش ويكتمل ترسب البروتيدات، ثم يرشح بواسطة قماش، فيرمى بالشرش ويحتفظ بالخثارة التي تكون منتوجا على شكل متماسك صلب بعض الشيء، إذ أنه يشبه الجبن الطري، بينما تكون حموضيته ضعيفة جدا لأن الحمض اللبني يذهب مع الشرش، وتسمى هذه الخثارة الصلبة بالكليلة وهي سائدة الاستهلاك في المغرب والجزائر وقد توجد في بلدان عربية أخرى.
ج- لبن الزبادي المصري
يعتبر الباحثون المصريون أن لبن الزبادي من أقدم ما صنعه الإنسان من الألبان المتخمرة في منطقة الشرق الأوسط، وقد بينت الأبحاث التي أجريت على هذا المنتوج أن الأنواع التي تقوم بدور تحويل اللبن الخام الطازج إلى لبن الزبادي المتخمر هي:
S. thermophilus, L. bulgaricus
إلى جانب بعض الأنواع الأخرى من الجراثيم الغير المرغوبة والتي تساهم هي الأخرى بدورها في إكساب المنتوج بعض الخصائص الاستكمالية.
وقبل الحديث عن بعض الألبان الأجنبية، لا جناح أن نتطرق إلى تطور صناعات هذه الألبان ذلك أن اللبن المخمر أصبح يباع في علب كما يباع الحليب المعقم أو المبستر أو "اليوغورت"، ذلك أن الصناعة انتقلت من القربة إلى الآلة الضوئية ومن جرة الطين إلى خزانات من المعدن المجهزة آلات التبريد أو التسخين حسب المبتغى، مع مراقبة التهوية والحموضة وما إلى ذلك من العوامل البيئية التي أصبحت مضبوطة، ومسخرة وانتقال التخمر الذاتي أو العفوي للبن الخام الذي ربما يحتوي على بعض الجراثيم المؤدية إلى معالجته بالحرارة للقضاء على هذه ثم تلقيحها بأنواع من الجراثيم النافعة أو المزارع المخمرة النقية.
[JUSTIFY][color=#003366]
وحسب الأبحاث التي أجريناها في الميدان، فإن الأنواع التي تسبب التخمر في اللبن العربي تختلف حسب المناطق، ورغم اختلاف الأنواع التي تطرق إليها البحث فإن ليس هناك اختلاف في المنتوج، لأن الخصائص العامة لا يمكن أن تحددها الأنواع الجرثومية التي تم عزلها. فلبن الخض المصري من حيث الأنواع المخمرة يشبه لبن الخض اللبناني والتونسي والمغربي، نظرا لكون التحضين يكون تحت حرارة بيئية عادية وهي الحرارة التي تلعب لصالح الأنواع المحبة للحرارة المتوسطة أما اللبن العراقي والسوداني وكذلك بع�
أعجبني